لأنه إذا جاز أن يقتضى، وجاز أن لا يقتضى، كان كل من الأمرين ممكناً جائزاً، لم يكن ثبوت الاقتضاء أولى من انتفاء، لولا أمر آخر اقتضى ذلك الاقتضاء، ثم القول في اقتضاء ذلك الاقتضاء كالأول، ويلزم منه توقف حدوث الحوادث على اقتضاءات متسلسلة لا نهاية لها، ولا وجود لشيء منه، وما توقف على ما لا وجود له فلا وجود له، وهو يبطل التسلسل فيما هو دون هذا.
وهذا المقام مقام معروف للمعتزلة في فعل الرب، وفعل العبد يذكرونه في مسألة حدوث العالم، ومسألة القدر، وهو مما استطالت عليهم به أهل السنة والفلاسفة وغيرهم.
لا سيما وأبو الحسين يقول: إنه مع فعل القادر يتوقف على الداعي، وإنه عند وجود الداعي التام يجب وجود المقدور، فيكون أصل قوله موافق لقول من قال من أهل السنة ومن الفلاسفة: إن الحادث يحدث مع وجوب أن يحدث، وهذايناقض قوله بأنه لا يحدث إلا مع جواز الحدوث لا مع وجوبه.
الثالث أن يقال: هب أنا سلمنا إمكان ثبوت المقتضى، وأنه يقتضى مع جواز أن لا يقتضى، وأنه يخص الحدوث بحال دون حال، فإذا أمكن الحدوث والتخصيص بما هو مقتض مع جواز أن لا يقتضى، فالحدوث والتخصيص بمقتض واجب الاقتضاء أولى وأحرى.
فإن قيل: ما كان واجب الاقتضاء لم يتخلف عنه مقتضاه، فيلزم قدم الحوادث، بخلاف ما كان جائز الاقتضاء.