ثم الطرق التي جاء بها القرآن خير من طريقة الأشعري وغيره، فإن فيها إثبات الصانع بنفس ما يشاهده الناس، من حدوث الأعيان المحدثة، وحدوث الأعيان مشهود معلوم، لا يحتاج أن يستدل على حدوثها بحدوث صفاتها، وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
بل سالكو هذه السبيل ظنوا أن الأعيان لا تحدث، وإنما تحدث صفاتها وأنهم لم يشهدوا حدوث جسم ولا جوهر قائم بنفسه، وإنما شهدوا حدوث صفات الأجسام، وأن الأجسام متماثلة مركبة من جواهر متماثلة، وهي تنقلب فيها من وصف إلى وصف.
قالوا: فهذا هو الذي يشهد حدوثه، ثم بهذا يعلم حدوث ما قامت به هذه الحوادث، فأنكروا ما يعلمه الناس بحسهم ومعاينتهم، من حدوث ما يشهدون حدوثه من الأجسام، ثم احتاجوا مع ذلك إلى أن يثبتوا حدوث هذه الأعيان بالاستدلال الذي ذكروه، من أنها لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.
وهذه الطريق يظهر الاستغناء عنه لكل أحد بما يشهده من حدوث الأعيان، وأصحابها يسلمون الاستغناء عنها بما يشهدونه من حدوث الصفات، كما ذكره الرازي وغيره، وعلى التقديرين فقد ثبت الاستغناء عنها.