فمن قال: إن العلم بإثبات الصانع وتصديق رسله موقوف عليها، فقد ظهر خطؤه عقلاً لكل أحد، كما علم مخالفته لدين الإسلام بالضرورة.
فإنه من المعلوم بالاضطرار: أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، ما دعوا أحداً من الناس إلى الإقرار بالخالق وبرسله بهذه الطريق، ولا استدلوا على أحد بهذه الحجة، بل ولا سلكوا هم في معرفتهم هذه الطريق، ولا حصلوا العلم بهذا النوع من النظر والاستدلال المبتدع المحدث، الذي قد أغنى الله عنه، وظهر الغنى عنه لكل عاقل.
ثم معرفة فساد هذه الطريق عقلاً، هو ألطف من العلم بالغنى عنها.
ولهذا يظهر الغنى عنها لخلق كثير، قبل أن يظهر لهم فسادها.
وقد ذكر من الكلام على مقدماتها، وفسادها، وطعن بعض أهلها في بعض، وإفسادها لمقدماتها، وبيان فسادها بصريح العقل، في غير هذا الموضع، ما ينبه على المقصود.
والمقصود هنا: التنبيه على أن العلم بافتقار المحدث إلى المحدث، والمفعول إلى الفاعل، وهو من العلوم الضرورية البديهية، وهو أظهر وأقوى مما استدل به عليه القاضي وأمثاله، من كون تخصيص الحدوث بوقت دون وقت، لا بد له من مخصص.