في البدن السليم قوة يحب بها الأغذية النافعة، وبهذا كانت محمودة وذم من أفسدها، لكن يقال: فهذا الفطرة التي فيها هذه القوة والقبول والاستعداد والصلاحية: هل هي كافية في حصول المعرفة، أو تقف المعرفة على أدلة يتعلمها من خارج؟.
فإن كانت المعرفة تقف على أدلة يتعلمها من خارج، أمكن أن توجد تارة وتعدم أخرى، ثم ذلك السبب الخارج يمتنع أن يكون موجباً للمعرفة بنفسه، بل غايته أن يكون معرفاً ومذكراً، فعند ذلك إن وجب حصول المعرفة، كانت المعرفة واجبة الحصول عند وجود تلك الأسباب وإلا فلا، وحينئذ فلا يكون فيها إلا قبول المعرفة والإيمان، إذا وجدت من يعلمها أسباب ذلك.
ومعلوم أن فيها قبول الإنكار والكفر، إذا وجدت من يعلمها أسباب ذلك، وهو التهويد والتنصير والتمجيس.
وحينئذ فلا فرق بين الإيمان والكفر، والمعرفة والإنكار، إنما فيها قوة قابلة لكل منهما واستعداد له، لكن يتوقف على المؤثر الفاعل من خارج.
وهذا القسم الأول الذي أبطلناه، وبينا أنه ليس في ذلك مدح للفطرة، وإن كان فيها قوة تقتضي المعرفة بنفسها، وإن لم يوجد من يعلمها أدلة المعرفة، لزم حصول المعرفة فيها بدون ما نسمعه من أدلة المعرفة، سواء قيل: إن المعرفة ضرورية فيها، أو قيل: إنها تحصل بأسباب كالأدلة التي تنتظم في النفس، من غير أن يسمع كلام مستدل، فإن النفس