وهنا لم يقل: أشهدوا على أنفسهم بما أنطقهم به، فيكون هذا إقرار مشهوداً به غير الشهادة، سواء كان شهادة بعضهم على بعض، كما قاله بعضهم أو كان شهادتهم على أنفسهم بما أقروا به، بل شهادتهم على أنفسهم هو إقرارهم.
فالشهادة هي الإقرار، كما قال:{كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} ، وكما قيل لماعز: شهد على نفسه أربعاً.
فإشهادهم على أنفسهم جعلهم شاهدين على أنفسهم، أي مقرين له بربوبيته، كما قال في تمام الكلام:{ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} ، فقولهم: بلى شهدنا، هو إقرارهم بربوبيته، وهو شهادتهم على أنفسهم بأنه ربهم وهم مخلوقون به، فشهدوا على أنفسهم بأنهم عبيده.
كما يقول الملوك: هذا سيدي، فيشهد على نفسه بأنه مملوك لسيده، وذلك يقتضي أن هذا الإشهاد من لوازم الإنسان، فكل إنسان قد جعله الله مقراً بربوبيته، شاهداً على نفسه بأنه مخلوق والله خالقه.
ولهذا جميع بنى آدم مقرون بهذا شاهدون به على أنفسهم.
وهذا أمر ضروري لهم لا ينفك عنه مخلوق، وهو مما خلقوا عليه وجبوا عليه، وجعل علماً ضرورياً لهم، لا يمكن أحداً جحده.