ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لا يعذب أحداً إلا بعد إرسال رسول إليهم، وإن كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب، كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث إليهم رسول، فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعقاب، والرب تعالى مع هذا لم يكن معذباً لهم حتى يبعث إليهم رسولاً.
والناس لهم في هذا المقام ثلاثة أقوال، قال بكل قول طائفة من المنتسبين إلى السنة، من أصحاب الأئمة الأربعة، أصحاب أحمد وغيره.
طائفة تقول: إن الأفعال لا تتصف بصفات تكون بها حسنة ولا سيئة البتة.
وكون الفعل حسناً وسيئاً إنما معناه أنه منهي عنه أو غير منهي عنه، وهذه صفة إضافية لا تثبت إلا بالشرع، وهذا قول الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، كالقاضي أبي يعلى وأتباعه، وهؤلاء لا يجوزون أن يعذب الله من لم يذنب قط، فيجوزون تعذيب الأطفال والمجانين.
وطائفة تقول: بل الأفعال متصفة بصفات حسنة وسيئة، وأن ذلك قد يعلم بالعقل ويستحق العقاب بالعقل، وإن لم يرد سمع، كما يقول ذلك المعتزلة، ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم،: أبي الخطابي وغيره.