حجة بعد الرسل} ، وأخبرنا أنه ما كان معذباً قبل بعثتهم، فكانوا يعرفون أن لهم رباً وإلهاً، ولكنهم ينكرون توحيد الإله وبعث رسله وشرائع دينه، وبه وقع منهم الكفر.
فوجود ذلك منهم يزيل عنهم معرفة التوحيد، ولا يزيل ضرورتهم، وهذه المعرفة وجبت بالتوقيف، وهي ما وقفتنا الرسل عليه، ودلنا عليه سبحانه، ووفقنا لذلك، وبها يجب الخلود في الجنة، وبعدمها يجب الخلود في النار، وهي مكتسبة ولم تجب بالعقل كما زعمت المعتزلة، لأن هذه المقالة تضاهي مقالة البراهمة، حيث زعمت أن في قوة العقل كفاية عن بعث الرسل، والحق لم يخبر أنه ما كان يعذبهم حتى يرزقهم عقولاً، وإن كان العقل حجة فهو باطن، والرسل حجة الله ظاهرة.
وقد قيل لبعض العارفين: بم عرفت الله؟ قال: بالله.
فقيل: فأين العقل؟ فقال: العقل عاجز يدل على عاجز.
وقد جاء في الأثر: إن الله سبحانه لما خلق العقل، وأقامه بين يديه - وهو حجة من قال: عرف بالعقل - فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: عزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أعرف.