إليه، بل يقولون بلا إشارة ولا تعيين، وهؤلاء يثبتون وجوداً مطلقاً كلياً، لا يعينونه لا ببواطنهم ولا بظواهرهم.
ولهذا يبقون في حيرة واضطراب، تارة يجعلونه حالاً في المخلوقات لا يختص بشيء، وتارة يسلبونه هذا وهذا، ويقولون: الحق لا يقيد ولا يخصص ولا يقبل الإشارة والتعيين، نحو ذلك من العبارات التي مضمونها في الحقيقة نفي ثبوته في الخارج، فإن كل موجود في الخارج فإنه متعين متميز عن غيره، مختص بخصائصه التي لا يشركه فيها غيره.
وهذا هو المقيد في اصطلاحهم، وهم يظنون أن ما ذكره ثابت في الخارج، لكنهم ضالون في ذلك.
وضلالهم كضلال في أمور كثيرة لا توجد إلا في الأذهان ظنوناً ثابتة في الأعيان.
ومن هنا ضل من ضل في مسألة المعدوم: هل هو شيء أم لا؟ وفي مسألة الأحوال، وفي مسألة وجود الموجودات: هل هو ماهيتها الثابتة في الخارج أو غير ذلك؟ والكلي الطبيعي: هل هو ثابت في الخارج أم لا؟
وجماع أمرهم أنهم جعلوا الأمور العقلية التي لا تكون ثابتة إلا في العقل - كالمطلقات الكلية ونحوها - أموراً موجودة ثابتة في الخارج، وزعموا أن هذا هو الغيب الذي أخبرت به الرسل، وذلك ضلال.
فإن الغيب الذي أخبرت به الرسل هو مما يمكن الإحساس به في الجملة، ليس مما لا يمكن الإحساس به، لكن مشاهدته والإحساس به يكون بعد الموت، وفي الدار الآخرة.
وهناك الحياة وتوابعها من الإحساس والعمل أقوى وأكمل، فإن الدار الآخرة لهي الحيوان.