فالرسل لم تفرق بين الغيب والشهادة، لأن أحدهما معقول والآخر محسوس، كما ظن ذلك من ظنه من المتفلسفة والجهمية، ومن شركهم في بعض ذلك، وإنما فرقت بأن أحدهما مشهود الآن، والآخر غائب عنا لا نشهده الآن، ولهذا سماه الله تعالى غيباً.
قال تعالى:{الذين يؤمنون بالغيب} ، لم يسمه مقولاً، وقد بسط الكلام على هذا في موضعه.
والمقصود هنا أن ما عرف وصفه تعرف عينه بوجه من وجوه الإحساس، إما بذاته وإما ببعض خصائصه.
والله تعالى يختص بما فوق العالم، فالعباد يشيرون إلى ذلك، ويعلمون أن خالق العالم هو الذي فوق العالم، لا يشركه في ذلك أحد.
وهذا العلم قد يحصل بالفطرة، وقد يحصل بالاستدلال والقياس، وقد يحصل بالسمع من الرسل، كما أخبرت بأن الله فوق العالم.
ولهذا قال فرعون:{يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا} .
ولهذا كان معراج نبينا صلى الله عليه وسلم إلى السماء.
وكذلك سائر ما تعرفه القلوب من خصائصه.
وقد يقال: هو تعيين يمكن حصوله بدون السمع.
وذلك أن معرفة عينه بالمشاهدة لا تحصل في الدنيا، فلم يبق إلا معرفة عينه بغير هذه الطريق، كما يعرف عين الرسول صلى الله عليه وسلم من لم يشاهده، بمعرفة ما يعرفه من خصائصه.