وقوله:{اليوم أكملت لكم دينكم} ، ونحو ذلك مما فيه الاستدلال بذلك أجود من الاستدلال بقوله:{ما فرطنا في الكتاب من شيء} ، لأن الكتاب هنا في أشهر القولين - هو اللوح المحفوظ، كما يدل عليه السياق في قوله:{وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء} .
وإذا كان الشيء موجوداً في الشرع، فذلك يحصل بأن يكون في القرآن الدلالة على الطريق العقلية والتنبيه عليها والبيان لها والإرشاد إليها.
والقرآن ملآن من ذلك، فتكون شرعية بمعنى أن الشرع هدى إليها، عقلية بمعنى أنه يعرف صحتها بالعقل، فقد جمعت وصفي الكمال.
وأيضاً فإذا كان الشرع قد دل على شيء أو أوجبه، وقدر أن في العقل ما يوافق ذلك، لم يضر ذلك، وإن كان قد يستغنى عنه، فلا يطعن في صحته للاستغناء عنه.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالب الناس بالنظر والاستدلال، فهذا دليل قاطع على أن الواجب متأدى بدون الطرق التي أحدثها الناس وأبدعها.