وأما الوجه الأول وهو قوله:(إن النبوة إذا ثبتت بقيام المعجز، علم أن هناك مرسلاً أرسله، لكون ثبوت لارسالة يستلزم ثبوت المرسل) فهذا لا بد فيه من تقدير.
وهذا الكلام الذي قاله من أن العلم بالرسول يتضمن العلم بالمرسل، كلام صحيح.
فإن العلم بالإضافة يستلزم العلم بالمضاف والمضاف إليه.
لكن المعترض يقول له: المعجزة لا تدل على الرسالة إلا بعد العلم بإثبات الصانع، ثم يعلم بعد ذلك صدق الرسول، إما لكون المعجز يجري مجرى التصديق، والعلم بذلك ضروري في العادة.
وإما لكون المعجز لم يدل على الصدق للزم عجز الرب عن طريق يصدق به الرسول، وإما لكون تصديق الكذاب قبيحاً، هو منزه عن فعل القبيح، ونحو ذلك من الطرق التي سلكوها من سلكها من أهل النظر القائلين بأن صدق الرسول لا يعرف إلا بالمعجزة.
والطريقان الأولان هما طريقا الأشعري وأصحابه ومن وافقهم، كالقاضي أبي يعلى وأمثاله.
والثاني هو طريق المعتزلة ومن وافقهم، كأبي الخطاب وأمثاله.
وأما القائلون بأن صدق الرسول يعرف بطرق أخرى غير المعجزة، فلا يحتاجون إلى هذا.
وقد بسط الكلام على ذلك في موضعه.
والمقصود هنا أن قول القائل: إن مثبتي النبوات تحصل لهم معرفة بالله بثبوت النبوة من غير نظر واستدلال في دلائل العقول.
وإنا لا نمنع صحة النظر، ولا نمنع حصول المعرفة به، وإنما خلافنا: هل يحصل بغيره؟ يحتاج إلى بيان حصول المعرفة لمثبتي النبوات.
والقاضي في هذا قد سلك مسلك الخطابي، كما قد كتبنا كلامه،