ووجه ذلك أنه لو لم يكن في العقل إيجاب وحظر، لم يتمكن المفكر أن يستدل على أن الله سبحانه لا يكذب خبره، ولا يؤيد الكذاب بالمعجزة، إذ لا وجه في العقل لاستقباحه وخروجه عن الحكمة قبل الخبر عندهم.
وإذا كان كذلك لم يؤمن العاقل كون كل خبر ورد عنه أنه كذب، وكل معجزة رآها أن يكون قد أيد بهذا الكذاب المتخرص، وفي ذلك ما يمنع الأخذ بخبر السماء، والانقياد لمعجزات النبوة الدالة على صدقها.
ولما وجب اطراح هذا القول، والاعتقاد بأن الله جلت عظمته منزه عن الكذب، متعال عن تأييد المتخرص بالمعجزة، ثبت أن ذلك إنما قبح وحظر في العقل وامتنع في الحكمة) .
قلت هذه طريقة معروفة للقائلين بالتحسين والتقبيح العقليين.
ويقولون إنهم يعلمون بتلك أن الله منزه عن أن يفعل القبيح، كالكذب وتصديق الكاذب المدعي للنبوة بالمعجزة الدالة على صدقه، وإن كان ذلك ممكناً مقدوراً له، لكن لا يفعله لقبحه وخروجه عن الحكمة.
وهم يقولون: إنه بهذه الطريقة يعلم صدق الأنبياء.
والذين ينازعونهم - كالأشعري وأصحابه، وابن حامد، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وابن الزاغوني وغيرهم - يسلكون في المعرفة بتصديق الأنبياء غير هذه الطريق.
وإما طريقة القدرة - كما سلكها الأشعري في أحد قوليه، والقاضيان أبو بكر وأبو يعلى وغيرهما - وهو أنه لا طريق إلى تصديق النبي غير المعجزة، فلو لم تكن دالة على التصديق للزم عجز الباري عن تصديق الرسل.