وإما طريقة الضرورة - كما سلكها الأشعري في قوله الآخر، وأبو المعالي وطوائف أخر - وإما غير ذلك من الطرق التي بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع.
وليس المقصود هنا بسط الكلام في هذه المسائل.
بل المقصود أن جميع الطوائف - حتى أئمة الكلام والفلسفة - معترفون باشتمال ما جاءت به الرسل على الأدلة الدالة على معرفة الله وتصديق رسله، كما سيأتي ذكره في كلام القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، والفلاسفة وغيرهم.
قال أبوالخطاب:(دليل آخر: أنه غير ممتنع أن يخطر للعاقل أنه لم يخلق نفسه ولا خلقه من هو مثله من أبيه وأمه، إذ لو كانا قادرين على ذلك، لكان هو أيضاً قادراً، وكانا يقدران على خلق غيره.
وهو يعلم أنهما لا يقدران، فيعلم أن له خالقاً من غير جنسه خلقه وخلق أبويه، ثم يرى إنعامه عليه بإكماله وتسخير ما سخر له من المأكول والمشروب والأنعام وغير ذلك، كإقداره عليهم، ويخطر له أنه لم يعترف له بذلك ويشكره أنه يعاقبه، وإذا جوز ذلك وجب عليه في عقله دفع الضرر والعقاب بالتزام الشكر.
فإن قيل: كما يجوز أن يخطر له ما ذكرتم، يجوز أن يخطر له أن له خالقاً أنعم عليه، وأنه غني عن شكره وجميع ما يتقرب به إليه.
ويخاف من تكلف له ذلك أن يسخط عليه ويقول: من أنت حتى تقابلني بالشكر، وتعتقد أنه جزاء نعمتي؟ وما أصنع بشكر مثلك؟ ونحو ذلك.