قال:(والجواب: أن العاقل، مع اعترافه بحكمة خالقه، لا يتوهم أنه يسخط على من شكره وتذلل له وتضرع إليه، وإن كان غنياً عن ذلك، لأن الذي بعثه على الشكر ليس هو اعتقاد حاجة خالقه إلى الشكر، ولا أن شكره يقومن بإزاء النعمة عليه، فيمتنع، لعلمه بغناه عن ذلك.
وإنما الباعث له حسن الشكر والتذلل.
والتعظيم للمنعم من بدائه العقول.
والحكيم لايسخط ما هذا سبيله.
فإذاً قد أمن عاقبة الإقدام على الشكر، ولم يأمن عاقبة العقاب على تركه، فيجب في عقله توخي ذلك.
وصار مثال ذلك أن يقال للعاقل: في الطريق مفسدون، يأخذون المال ويقتلون النفس، أو سباع تفترس الآدمي.
ويقال له: أنت ما معك قليل نذر، والمفسدون قد استغنوا بما قد أخذوا، فلعلهم لا يعرضن لك أنفة من قلة مالك.
والسباع قد افترست جماعة فقد شبعوا، فلعلهم لا يعرضون لك.
فإن في العقل يجب عليه التوقف عن سلوك ذلك الطريق لا الإقدام عليه، كذلك ها هنا) .
قلت: مضمون ذلك أن العقل يوجب سلوك الأمن دون طريق الخوف.
قال: (دليل ثالث: أنه لو لم يكن في قضاء العقول: إلزام وحظر، لأمكن العاقل أن لا يلزمه شيء أصلاً، لأنه متى قصد بالخطاب سد سمعه فلم يسمع الخطاب.