كما أخبر الله عن قوم نوح:{وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا} ، فلما علمنا أنه يجوز بعقله أن يكون في الخبر الذي خوطب به نجاته وسلامته من الهلاك، وفي الإعراض عنه بسد أذنه هلاكه ودماره، ثبت أن في عقله وجوب الإصغاء إلى الخبر، وحظر الإعراض عنه، وذلك وصية العقل لا السمع) .
قال: (دليل رابع: أن العقلاء أجمعوا على قبح الكذب والظلم والخيانة وكفران النعمة، وحسن العدل والإنصاف والصدق وشكر المنعم: من أقر منهم بالنبوة ومن جحدها.
ولهذا يرى الدهرية وأهل الطبائع في ذلك كأهل الأديان، بل أكثر.
فدل على أنهم استفادوا ذلك من العقل لا من الأنبياء.
وإذا ثبت أن فيها تحسيناً وتقبيحاً، ثبت أن فيها حظراً وإباحة.
وقد صرح عليه السلام بذلك لما عرض نفسه على القبائل.
دليل خامس: أنا نجد الحمد على الجميل والذم على القبيح يلزمان مع وجود العقل، ويسقطان مع عدمه، فلولا أنه مقتض للحسن والقبح لم يكن لتخصيص العاقل بالذم على القبيح والمدح على الحسن معنىً.
وإذا قد وجدنا ذلك، دل على أن في العقل حظراً أو إلزاماً.
دليل سادس: أن التكليف محال إلا مع العقل، ولهذا لا يكلف الشرع شيئاً إلا بعد كمال عقولنا.
فدل على أن السمع يعلم بالعقول.
وإذا كان معلوماً به، والعقل متقدم عليه، ولا تقف معرفته على الشرع - استحال أن يقال: طريق معرفة الله السمع.
وكيف يتصور ذلك ونحن لا نعلم وجوب النظر بقول الرسول حتى نعلم أنه رسول؟ ولا نعلم أنه رسول