أسباب الشيء، وإذا لم يكن للشيء أسباب ضرورية تقتضي وجوده -على الصفة التي هو بها ذلك النوع موجوداً، فليس هنا معرفة يختص بها الحكيم
الخالق دون غيرة، كما أنه لو لم تكن أسباب ضرورية في وجود الأمور المصنوعة، لم يكن هنالك صناعة أصلاً، ولا حكمة تنسب إلى الصانع دون من ليس بصانع.
وأي حكمة كانت تكون في الإنسان، لو كانت جميع أفعاله وأعماله يمكن أن تتأتى بأي عضو اتفق، أو بغير عضو، حتى يكون الإبصار مثلاً يتأتى بالآذان كما بالعين، والشم بالعين كما يتأتى بالأنف.
وهذا كله إبطال للحكمة وإبطال للمعنى الذي سمى به نفسه حكيماً تعالى وتقدست أسماؤه عن ذلك.
قلت: مضمون هذا الكلام إثبات ما في الموجودات من الحكمة والغاية المناسبة
لاختصاص كل منها بما خص به، وأن ارتباط بعض الأمور ببعض قد يكون شرطاً في الوجود، وقد يكون شرطاً في الكمال.
وبإثبات هذا أخذ يطعن في حجة أبي المعالي وأمثاله، ممن لايثبت إلا مجرد المشيئة المحضة التي تخصص كلاً من المخلوقات بصفته وقدره.
فإن هذا قول من أهل الكلام، كالأشعرية والظاهرية، وطائفة من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة.