ثم إن الفلاسفة الدهرية، كابن سينا وأمثاله، قالوا: تسلسل الحوادث ودوامها واجب، لإن حدوث الحادث بدون سبب ممتنع، فيمتنع أن يكون جنسها حادثاً بلا سبب حادث.
لكل حادث سبب حادث، كان الجنس قديماً، فيكون العالم قديماً.
وأبو الحسين البصري، وأمثاله من المعتزلة، ونحوهم من أهل الكلام، قالوا: تسلسل الحوادث ممتنع، لأن كل حادث مسبوق بالعدم، فيكون الجنس مسبوقاً بالعدم، فيلزم حدوث كل ما لا يخلو عن الحوادث، والأجسام لاتخلو من الحوادث فتكون حادثة.
ونفس الأصل الذي اشترك فيه الفريقان باطل، وهو أنه يلزم من إمكان تسلسل الحوادث قدم الأفلاك، أوقدم العالم، أوقدم شيء من العالم.
والفلاسفة الدهرية أعظم إقراراً ببطلانه من المعتزلة، فإن تسلسل الحوادث ودوامها لا يقتضي قدم أعيان شيء منها، ولا قدم السماوات والأفلاك، ولا شيء من العالم.
والفلاسفة يسلمون أن تسلسل الحوادث لايقتضي قدم شيء من أعيانها، وأن تسلسلها ممكن بل واجب.
فيقال لهم: هب أن الحوادث لم تزل تحدث شيئاً بعد شيء، فمن أين لكم أن الأفلاك قديمة؟ وهلا جاز أن تكون حادثة بعد حوادث قبلها؟ بل يقال: هذا يبطل قولكم فإنها إذا كانت متسلسلة امتنعت أن تكون صادرة عن علة تامة موجبة، فإن العلة التامة لايتأخر عنها شيء من معلولها.
والحوادث متأخرة، فيمتنع صدورها عن علة تامة بوسط أو بغير وسط.