والعقلاء يفرقون بصريح عقولهم بين الحكم والخبر والوصف لكل واحد واحد، وبين الحكم والخبر والوصف للمجموع في مواضع كثيرة.
وأنتم تقولون بإثبات الجوهر الفرد، فكل واحد من أجزاء الجسم جوهر فرد عندكم، وليس الجسم جوهرا فرداً، بل المجموع من أفراد، وقد ثبت للمجموع من الأحكام ما لا يثبت للفرد.
وبالعكس فمجموع الإنسان إنسان، وليس كل عضو منه إنسان.
وكذلك كل من الشمس والقمر، والشجر والثمر، وغير ذلك من الأجسام المجتمعة، لها حكم ووصف لا يثبت لأجزائها.
والإنسان حي سميع بصير متكلم، وليس كل واحد من أبعاضه كذلك.
فلم يجب إذا كان النوع والمجموع دائماً باقياً، أن يكون كل من أفراده دائماً؟
والأمور المقدارية والعددية، كالكرات، والدوائر، والخطوط، والمثلثات، والمربعات، والألوف، والمئات، كلها يثبت لأجزائها من الحكم ما لا يثبت لمجموعها.
وبالعكس فإذا وصف الشيء بأنه دائم، أو طويل، أو ممتد، لم يلزم أن يكون كل واحد من أجزائه أو أفراده كذلك.
قال تعالى في الجنة:{أكلها دائم وظلها} الرعد: ٣٥.
ومعلوم أن كل جزء من أجزاء الأكل والظل يفني وينقضي، والجنس دائم لا يفنى ولا ينقضي، ولا توصف الأجزاء بما وصف به الكل.