لها في الأزل، ثم حين أحداثها هو على ما كان عليه قبل ذلك، فحدث من غير تجدد شيء أصلاً.
فلزمكم القول بترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، وحدوث الحوادث بلا سبب، ولزمكم تعطيل الصانع سبحانه وجحده وسلبه القدرة التامة، حيث سلبتم قدرته على جنس الكلام والفعل في الأزل.
وقلتم: يجب أن يكون كلامه حادثاً بعد أن لم يكن، بل أن يكون مخلوقاً في غيره، لا قائماً بذاته، أو أنه لايتكلم بمشيئته وقدرته.
وقلتم: لا يمكنه أن يحدث شيئاً إن لم يمتنع دوام الفعل منه، فلا يكون قادراً متكلماً، إلا بشرط أن لا يكون كان قادراً فاعلاً متكلماً.
وقلتم: لا يجوز وجود الحوادث إلا بشرط ألا يحدث لها سبب حادث، ولا يترجح أحد طرفي الممكن على الآخر إلا بشرط ألا يكون هناك سبب يقتضي الرجحان، فجعلتم شرط حدوث العالم وسائر أفعال الله وكلامه ما يكون نقيضه هو الشرط، وبدلتم الفضايا العقلية، كما حرفتم الكتب الإلهية.
ومن هنا طمعت الفلاسفة فيكم، وزادوا في الكتب الإلهية تحريفاً وإلحاداً، وصار أصل الأصول عندكم _ الذي بنيتم عليه إثباتكم للصانع ولصفاته ولرسله، وبه كفرتم أو ضللتم من نازعكم من أهل القبلة، أتباع السلف والأئمة، ومن غير أهل القبلة - هو قولكم: إذا كان كل واحد من الحدوث له أول، استحال ألا يكون لمجموعها أول، لأنها ليست سوى آحادها.