وإذ كان هذا لازماً لقولهم لا محيد لهم عنه: لزم أن أحد أمرين: إما بطلان حجتهم وإما القول بأنه لا يحدث في العالم شيء، والثاني باطل بالمشاهدة، فتعين بطلان حجتهم.
فتبين أن الذي ألزمهم إياه أبو عبد الله الرازي لا محيد عنه، وأن الأرموي لم يفهم حقيقة الإلزام، فأعترض عليه بما لا يقدح فيه.
ولكن مثاب الغلط والاشتباه هنا: أن لفظ التسلسل إذا لم يرد به التسلسل في نفس الفعل فإنه يراد به التسلسل في الأثر، بمعني أنه يحدث شيء، ويراد به التسلسل في تمام كون الفاعل فاعلاً، وهذا عند من يقول: إن المؤثر التام وأثره مقترنان في الزمان كما يقوله هؤلاء الدهرية، فيقضي أن يكون ما يحدث من تمام المؤثر مقارناً للأثر لا يتقدم عليه، فتبين به فساد حجتهم.
وأما من قال: إن الأثر إنما يحصل عقب تمام المؤثر فيمكنه أن يقول بما ذكره الأرموي، وهو أن كونه مؤثرا في الأثر المعين يكون مشروطاً بحادث يحدث يكون الأثر عقبه، ولا يكون الأثر مقارناً له.
ولكن هذا يبطل قولهم بقدم شيء من العالم، ويوافق أصل السنة وأهل الحديث الذين يقولون: لم يزل متكلماً إذا شاء.
فإنه على قول هؤلاء يقال: فعله لما يحدث من الحوادث مشروط بحدوث حادث به تتم مؤثرية المؤثر، ولكن عقب حدوث ذلك التمام يحدث ذلك الحادث، وعلى هذا فيمتنع أن يكون في العالم شيء أزلي، إذ الأزلي لا يكون إلا مع تمام مؤثره، ومقارنة الأثر للمؤثر زمانا ممتنعة.