والقاضي أبو بكر يذكر ما يشبهها في الأصلين من استدلاله على افتقار المحدث إلى محدث بالتخصيص، والاستدلال على ذلك بالقياس.
والأشعري أحسن استدلالاً منه، مع أنهم كلهم سلكوا سبيل المعتزلة في هذا الأصل، وسلموا كلامهم.
وهي طريقة أثبتوا فيها الجلي بالخفي وأرادوا بها إيضاح الواضح، كمن يقرر القضايا البديهية بقضايا نظرية، يسندها إلى قضايا أخرى بديهية، وذلك العلم بأن المحدث لا بد له من محدث، أبين في العقل من العلم بأن ما جاز حدوثه، لم يكن بالحدوث أولى من ألا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه، وبأن ما وجب حدوثه وجب في كل حال.
فإن هذه القضايا وإن كانت حقاً، وهي ضرورية، فالعلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين منها، والعقل يضطر إلى التصديق بهذه أعظم مما يضطر إلى التصديق بتلك، وتصور طرفي هذه القضية أبده في العقل من تصور تلك، ولا تعرض هذه القضية وتلك على سليم الفطرة إلا صدق بهذه قبل تلك.
وهذا كقول أبي المعالي، ومن وافقه على طريقة، إذا أثبت حدوث العالم: فالحادث جائز وجوده، وكل وقت صادفه كان من المجوزات تقدمه عليه بأوقات، ومن الممكنات استئخار وجوده عن وقته بساعات.
فإذا وقع الوجود الجائز بدلاً عن استمرار العدم المجوز، قضت العقول ببداهتها بافتقاره إلى مخصص خصصه بالوقوع، وذلك - أرشدك