وإذا كان قد قال: إن ما جاز تقدمه وتأخره، فإذا وقع وجوده بدلاً عن عدمه، قضت العقول ببدائهها بافتقاره إلى مخصص خصصه بالوقوع، فلأن يقال: ما حدث بعد أن لم يكن فإن العقول تقضي ببدائهها بافتقاره إلى محدث أحدثه، أولى وأحرى، فإن العلم بافتقاره المحدث إلى محدث أبين من العلم بافتقار المخصص إلى المخصص، وافتقار ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر إلى مرجح.
السؤال الثاني: أن يقال لهؤلاء كلهم، ك أبي الحسين ومن وافقه: هذه المقدمة التي بنيتم عليها إثبات الصانع تعالى تناقضهم فيها، فإن حاصلها أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، أو لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح.
فإن هؤلاء يقولون: إذا حدث مع جواز أن يحدث وأن لا يحدث، لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يكون.
والآخرون يقولون إذا تخصص بوقت دون وقت مع تشابه الأوقات، أو بقدر دون قدر، لم يكن تخصيصه بأحدهما أولى من الآخر إلا بمخصص، والأول ينبني على أنه قد استوى بالنسبة إلى ذاته الحدوث وعدمه، فيفتقر إلى مرجح للحدوث.
والثاني ينبني على أن الأزمنة والمقادير والصفات مستوية.
فلا بد من مخصص يخصص أحدهما بالوقوع فيه، وكل هذا مبني على أن الأمرين المتساويين في الإمكان لا يترجح أحدهما إلا بمرجح، وهذا حق في نفسه، لكنهم نقضوه حيث قالوا: إن هذه المحدثات والتخصيصات تقع بلا سبب يقتضي حدوثها ولا اختصاصها.