فإنهم، وإن أثبتوا فاعلاً، لكن يقولون: إن نسبة قدرته وإرادته إلى جميع الممكنات سواء، وأنه حدثت الحوادث بلا سبب حادث أصلاً بل حال الفاعل قبل الفعل وحين الفعل سواء، ومعلوم أن هذا تصريح برجحان الممكن بلا مرجح تام.
وهؤلاء يقولون: القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح.
وهذا هو أصل قول القدرية، وهو أصل قول الجهمية الجبرية.
القدرية أخرجوا به أفعال الحيوان أن تكون مخلوقة لله، وقالوا: إن العبد قادر مختار، فترجح الفعل على الترك بال مرجح.
وقالوا: إن ما أنعم الله به على أهل الإيمان والطاعة مما يؤمنون به ويطيعون، هو مثل ما أنعم به على أهل الكفر والمعصية، فإن أرسل الرسل إلى الصنفين، وأقدر الصنفين، وأزاح علل الصنفين، وفعل كل ما يمكن من اللطف الذي يؤمن عنده الصنفان، بمنزلة من أعطى أبنيه مالاً بالسوية، ثم قالوا: إن المؤمن فعل الطاعة من غير نعمة خصه الله بها تعينه على الإيمان، والكافر فعل الكفر من غير سبب من الله.
وهذا القول مخالف للشرع والعقل.
فإن الله بين ما خص به المؤمنين من نعمة الإيمان في غير موضع، كقوله تعالى:{ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون}
والقدرية يقولون: إن هذا خطاب لجميع الخلق، وليس الأمر كذلك، بل هو خطاب للمؤمنين، كما قال:{أولئك هم الراشدون}