للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكما قال قبل ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين * واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم}

فهذا خطاب للمؤمنين لا لجميع الناس.

وأيضاً فإن العبد إذا كان قادراً على الطاعة والمعصية، فلو لم يحدث سبب يوجب وقوع أحدهما دون الآخر للزم الترجيح بلا مرجح.

وذلك السبب، إن كان من العبد، فالقول فيه كالقول في الفعل، فلا بد أن يكون السبب الحادث الموجب للترجيح من غير العبد، والسبب الذي به وقعت الطاعة نعمة من الله خص بها عبده المؤمن.

ثم إن القدرية من المعتزلة وغيرهم بنوا على هذا أن الرب لم يكن يتكلم ولا يفعل، ثم خلق الكلام والمفعولات بغير سبب اقتضى الترجيح.

وأما المثبتون للقدر، من الجهمية ونحوهم، فخالفوهم في فعل العبد، وقالوا إنه لا يترجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بمرجح، ووافقوهم في فعل الله.

ولهذا يوجد كلام الرازي - ونحوه من هؤلاء - متناقضاً في هذا الأصل، فإذا ناظروا القدرية استدلوا على أن القادر لا يرجح مقدوراً إلا بمرجح، وإذا أرادوا إثبات حدوث العالم، وردوا على الدهرية، بنوا ذلك على أن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وقالوا: إن ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بغير مرجح يصح من القادر المختار، ولا يصح من العلة الموجبة، وادعوا الفرق بين الموجب بالذات وبين الفاعل بالإختيار في هذا الترجيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>