لكن جهم نفسه نفى كون العبد قادراً، ونفى أن يكون له قدرة على فعل.
وحينئذ إذا قال: إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، لم ينتقض قوله بناءً على أصله الفاسد.
والأشعري وغيره ممن يقول: إن العبد كاسب وله قدرة، ويقولون: ليس بفاعل حقيقة، ولا لقدرته تأثير في المقدور، إن حصل فرق معنوي بين قولهم وقول جهم، احتاجوا الى الفرق بين فعل الرب وفعل العبد، وإلا كانوا مثل جهم.
وأما جمهور المثبتين للقدر، الذين يقولون: للعبد قدرة وفعل، وهذا قول السلف والأئمة، فعندهم أن العبد فاعل قادر مختار، وهو لا يرجح أحد مقدوريه على الآخر إلا لمرجح.
والرازي يميل إلى قول هؤلاء، ويثبت للعبد قدرة وداعياً، وأن مجموعهما يستلزم وجود الفعل.
فهؤلاء الطوائف من الكلابية والكرامية والأشعرية، ومن وافقهم من أهل الحديث.
والفقه وغيرهم، وإن خالفوا المعتزلة بقدر، فهم يشاركونهم في الأصل الذي بنى أولئك قولهم في القدر عليه، وهم يناظرون الفلاسفة القائلين بالموجب بالذات، وأهل الطبع القائلين بأن فاعل العالم علة تامة أزلية تستلزم معلولها.
وهذا القول أشد فساداً، فإن حقيقة القول هؤلاء أنه ليس لحوادث العالم محدث، كما أن حقيقة قول القدرية أنه ليس لفعل الحيوان محدث، فما قاله القدرية في فعل الحيوان، قاله هؤلاء في جميع حوادث العالم،