لأن العلة التامة المستلزمة لمعلولها لا يصدر عنها حادث لا بوسط ولا بغير وسط.
فهؤلاء شبهوا فعله بفعل الجمادات، مع تناقضهم وتقصيرهم في ما جعلوه فعل الجمادات.
والقدرية شبهوا فعله بفعل الحيوانات، مع تناقضهم وتقصيرهم فيما جعلوه فعل الحيوانات.
ثم المثبتين للقدر، من الكلابية وغيرهم، يخالفون المعتزلة في إثبات القدر، وفي بعض مسائل الصفات، ويجعلون المخصص هو الإرادة القديمة التي نسبتها إلى جميع المرادات سواء، وقالوا: إن من شأن الإرادة أن تخصص أحد المثلين عن الآخر بلا سبب، ولهذا بنوا أصولهم على أن التخصيص بأحد الوقتين لا بد له من مخصص.
ثم كلام أبي الحسين وأمثاله أحذق من كلام هؤلاء من وجه، وأنقص من وجه، فإنه من حيث جعل نفس وجود الحدوث بدلاً عن العدم، مع جواز أن لا يحدث، دليلاً على المقتضي لحدوثه، كلامه أرجح من كلام من جعل الدليل هو التخصيص بوقت دون وقت، فإن نفس الحدوث فيه من التخصيص ما يستغنى به عن نسبة الحادث إلى الأوقات.
وأما كونه أنقص، فإنه متناقص من وجه آخر.
وذلك أنه قال: لو حدث مع وجوب أن يحدث، لم يكن بأن يحدث في تلك الحال أولى من أن يحدث من قبل، فلا يستقر حدوثه على حال، إذا كان حدوثه واجباً، فإنه بعد أن يتجاوز عن أن نفس الحدوث يستلزم المحدث.
ولو قدر واجباً، يقال له: إذا قدرت الحدوث واجباً، فلم لا يجوز أن يكون حدوثه في حال أولى منه في حال أخرى، ويكون واجباً في تلك الحال دون غيرها؟