حادث إلا ولا بد أن يوصف بالمضي والاستقبال، فيوصف بالمضي باعتبار ما بعده، ويوصف بالاستقبال باعتبار ما قبله، فإذا نظر إلى حادث معين فما قبله ماض وما بعده مستقبل، وهكذا كل حادث.
وإذا كانت الحوادث الدائمة كل منها يوصف بالمضي والاستقبال، لم يصح الفرق بينهما بذلك فإن من شرط الفرق اختصاص أحد النوعين به وتأثيره في الحكم الذي فرق بينهما فيه لأجله، وكلا الأمرين منتف هنا.
والدليل الدال على انتفاء دوام الحدوث يتناول هذا كتناول هذا، فإما أن يصحا جميعاً وإما أن يبطلا جميعاً.
ولهذا كان من طرد هذا الدليل، وهما إماما أهل الكلام نفاة الصفات: الجهم بن صفوان إمام الجهمية، وأبو الهذيل العلاف إمام المعتزلة، كلاهما ينفي دوام الحدوث في المستقبل كما نفاه في الماضي.
وإذا قال القائل: المستحيل أن يدخل في الوجود ما لا يتناهى آحاداً على التعاقب.
قيل له: فالمستقبلات تدخل في الوجود وهي لا تتناهى آحاداً على التعاقب، لكن لم تدخل بعد، وذاك دخل ثم خرج.
وقوله: يستحيل أن يدخل في الوجود من مقدورات الباري تعالى ما لا يحصره عدد ولا يحصيه أمد هو محل النزاع إذا قصره على الماضي، وإن كان اللفظ عاماً فهو خلاف ما سلمه، بل هؤلاء يقولون: يجب أن يدخل