للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله في المستقبل، أمكن أن يصدق في قوله في الماضي، وإن امتنع صدقه في الماضي امتنع صدقه في المستقبل، إذ العقل لا يفرق بين هذا وهذا، ولكنه يفرق بين قوله: لا أعطيك حتى أعطيك وبين قوله: ما أعطيتك إلا وقد أعطيتك.

فإذا كان منتهى النظار هو القياس العقلي والإعتبار، وهم في القياس الذي جعلون أصل أصول الدين يقيسون الشيء بما يبين مفارقته إياه في عين الحكم الذي سووا بينهما فيه، علم أن ذلك قياس باطل.

وهذا من أعظم أصولهم، أو أعظم أصولهم الذي بنوا عليها نفيهم لما نفوه من أفعال الرب وصفاته، وعارضوا بذلك ما أرسل به رسله من أنبائه وآياته.

وقوله: لا أعطيك حتى أعطيك مثل قول: ما أعطيتك حتى أعطيتك.

فهنا نفي الماضي حتى يوجد الماضي، وهناك نفي المستقبل حتى يوجد المستقبل.

وكلاهما ممتنع، فإنه نفي للشيء حتى يوجد الشيء.

وحقيقته الجمع بين النقيضين، حتى يجعل الشيء موجوداً معدوماً، كما لو قيل: لا يوجد هذا حتى يوجد هو نفسه، فيقتضي أن يكون وجوده قبل وجوده، بل في حال عدمه، فيكون قد جعل موجوداً حال كونه معدوماً، وهذا ممتنع بين الامتناع.

بخلاف قوله: ما أعطيتك إلا وقد أعطيتك قبله، ولا أعطيك إلا أعطيك بعده فإنه إثبات بعد كل عطاء عطاء، وقبل كل عطاء عطاء، فهذا يتضمن إثبات بعد كل حادث مستقبل حادث مستقبل، وقبل كل حادث ماض حادث ماض، فأين هذا من هذا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>