وليتدبر العاقل القياس العقلي في هذا الباب، فإنهم قد سلموا أنه يجوز أن يكون بعد كل حادث مستقبل حادث مستقبل، كما إذا قال: لا أعطيك درهماً إلا وأعطيك بعده ديناراً.
واتفقوا على أنه لا يجوز أن نقول لا أعطيك درهماً حتى أعطيك ديناراً وتنازعوا هل يجوز أن يكون قبل كل حادث ماض حادث ماض أم لا؟ فمنهم من منع ذلك، وقال: هذا مثل أن نقول: لا أعطيك درهماً حتى أعطيك ديناراً.
ومنهم من جوز ذلك وقال: ليس هذا مثل هذا الممتنع، ولكن هذا نظير ذلك الجائز، وهو قوله: لا أعطيك درهماً إلا أعطيتك بعده ديناراً، فإن هذا معناه أن يكون بعد كل حادث حادث، وذاك معناه أن يكون قبل كل حادث حادث.
وهذا المعنى هو هذا المعنى، لكن هذا قدم اللفظ بما بعد، وهناك قدم التلفظ بما قبل، وأما من جهة المعنى فلا فرق بينهما.
قالوا: وأما الممتنع فنظيره أن نقول: ما أعطيتك إلا حتى أعطيتك فهذا نظير قوله: لا أعطيك حتى أعطيك، ليس نظيره: ما أعطيتك إلا وقد أعطيتك قبله.
فهنا أصل متفق على جوازه، وأصل متفق على امتناعه، بل أصلان متفق على امتناعهما، وأصل متنازع فيه، هل هو نظير هذا الجائز، أو نظير الممتنعين؟
ولهذا كان الذين اتبعوا هؤلاء من المتأخرين، كالرازي والآمدي وغيرهما، قد يتبين لهم ضعف هذا الأصل الذي بنوا عليه حدوث الأجسام، ويترجح عندهم حجة من يقول بدوام فاعلية الباري تعالى، وهم يعلمون أن دين المسلمين واليهود والنصارى: أن الله خلق السموات