للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاختصاص من أهل الكلام، يوجب أن يصلوا إلى حد يرجحون فيه طريقة الفلاسفة على طريقة سلفهم من أهل الكلام، علم بذلك أنهم جعلوا دين سلفهم المتكلمين أنقص من دين اليهود والنصارى بدرجتين إن كانوا مسلمين، وإن لم يكونوا مسلمين جعلوا قول الفلاسفة الملحدين خيراً من قول الأنبياء والمرسلين، فإنهم رجحوا كلام الفلاسفة على كلام سلفهم المتكلمين، مع اعتقادهم أن أقوال الفلاسفة المناقضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم باطلة، وأن اليهود والنصارى خير من الفلاسفة، لزم الأول.

وإن اعتقدوا أن قول الفلاسفة خير من قول سلفهم، وقول سلفهم هو قول الأنبياء، لزمهم أن يجعلوا قول الفلاسفة خيراً من قول الأنبياء، فإن طرودا قولهم لزمهم ترجيح اليهود والنصارى على سلفهم، أو ترجيح الفلاسفة على الأنبياء.

وممن كان أقل علماً وإيماناً منهم مال إلى القول الثاني، ومن كان أعظم علماً وإيماناً كان ميله إلى الأول أهون عليه، فإن كفر لا حيلة فيه، اللهم إلا أن يسلكوا مسلك القرامطة الباطنية، فيدعون أن ما أظهرته الأنبياء من الأقوال والأفعال إنما هو للجهال والعامة دون الخاصة، وأن لهذه الأقوال والأعمال بواطن تخالف ما أظهروه.

وحينئذ فهؤلاء شر الطوائف.

هم شر من اليهود والنصارى، ومن الفلاسفة المشركين القدماء الذين لم تقم عليهم حجة بكتاب منزل ونبي مرسل، فإن أولئك، وإن كانوا ضالين، فهؤلاء شركوهم في الضلال، ولكن هؤلاء حصل من حجة الله عليهم بكتابه ورسوله، ومن كفرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>