وعلى هذا التقدير، فقول القائل، فقول القائل: الأمور التي تتم بها مؤثرية الباري في العالم: إما أن تكون بأسرها أزلية، وإما أن لا تكون.
أتريد به التي يتم بها مؤثريته في كل واحد واحد من آحاد العالم؟ أو في جملة العالم؟
إن إردت الأول، لم تكن بأسرها أزلية، وكان حدوث كل واحد منها مفتقراً إلى حادث قبله.
وهذا التسلسل جائز عندهم.
وإن أردت الثاني، قيل لك: ليس جملة العالم متوقفاً على أمور معينة، حتى يرد عليها هذا التقسيم، بل بعض العالم يتوقف على أمور، وبعض آخر يتوقف على أمور أخرى، وكل بعض يتوقف على أمور حادثة، وتلك الأمور تتوقف على أمور أخرى، ويلزم من ذلك التسلسل في نوع الحادث، وهو جائز عندكم.
وأما أن أريد بالتسلسل في الآثار، التسلسل في جنس التأثير، وهو أن يكون جنس التأثير متوقفاً على جنس التأثير، بحيث لا يحدث شيئاً حتى يحدث شيئاً، فهذا باطل لا ريب فيه، وهو تسلسل في تمام كون المؤثر مؤثراً، وهو من جنس التسلسل في المؤثر.
لكن بطلان هذا يستلزم أنه لم يفعل بعد أن لم يكن فاعلاً لشيء، فيلزم دوام نوع الفاعلية لا دوام مفعول معين، وحينئذ فلا يدل على قدم شيء من العالم، وهذا بين لمن تدبره.
ويراد بالتسلسل معنى ثالث، وهو أن فاعليته للحادث المعين، لا تحصل حتى يحصل تمام المؤثر لهذا الحادث المعين، فيلزم تسلسل الحوادث في الواحد، وهذا ممتنع أيضاً باتفاق العقلاء.