فهذا تسلسل في تمام تأثر المعنى، وذاك في أصل التأثير وكلاهما ممتنع باتفاق العقلاء.
فتبين أن حججهم الهائلة، التي أرعبت قلوب النظار، ليس فيها ما يدل على قدم شيء من العالم البتة.
فقولهم بقدم شيء من العالم: الأفلاك أو غيرها، قول بلا حجة أصلاً، بل هو قول باطل، كما بين في موضع آخر.
نعم هذه الحجج إنما أرعبت قلوب أهل الكلام المبتدع المحدث في الإسلام، الذي هو كلام الجهمية والقدرية، ومن سلك سبيلهم من الأشعرية والكرامية، ومن تبعهم أو قلدهم من المتفقه وغيرهم، فما ذكره الفلاسفة إنما يبطل قول هؤلاء، الذي زعموا أن الرب لم يزل معطلاً عن أن يفعل بمشيئته أو يتكلم بمشيئته ثم يفعل أو يتكلم بمشيئته من غير حدوث شيء.
وهذا القول مما اتفق سلف الأمة وأئمتها على بطلانه.
فإذاً ليس معهم حجة عقلية تناقض نصوص الكتب والسنة، بل ولا مذهب السلف والأئمة، وهو المطلوب.
وبما ذكرناه من الفرق بين التسلسل في أصل التأثير وتمامه، وبين التسلسل في الآثار، يظهر صحة الدليل، الذي احتج به غير واحد من أئمة السنة، على أن كلام الله غير مخلوق، مثل سفيان بن عيينة.
وبيان ذلك: أنه إذا دل على أن الله لم يخلق شيئاً إلا بكن، فلو كانت كن مخلوقة، لزم أن يخلق بكن أخرى، وتلك الثانية بثالثة،