وتعوقها، فليس لتأخر وجود العالم عن وجود ذات العلة الأولى سبب يوجبه، فكيف يمكن أن يتأخر وجود زماناً بلا نهاية، ثم يخرج إلى الوجود، كحال من كان نائماً فانتبه؟.
فيقال لهؤلاء الذين مثلهم، كما قال عبد الله بن عمر، لما سأله بعض الناس عن المحرم يقتل البعوض: انظروا إلى هؤلاء يسألون عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
وكما يقال عن بعض الناس إنه كان يزني بامرأة وهو صائم، فقال لها: غطي وجهك فقد كره العلماء القبلة للصائم.
وكما يقال عن بعض النصارى، إذ قال لبعض المسلمين: أنتم تقولون: إن راعياً هو رسول الله، فيقال له: أنتم تقولون: إن جنيناً في بطن أمه هو الله.
ونظائر هذه الأمثال كثيرة، التي ينكر فيها الرجل شيئاً، وقد التزم ما هو أولى بالإنكار منه.
فإن هؤلاء قالوا: إذا كان العالم محدثا بعد أن لم يكن، لزم افتقار العالم إلى شيء غير العلة الأولى.
وهم لم يذكروا أن العلة الأولى أبدعت العالم أصلاً، بل قولهم مضمونه: إن العالم أبدعه غيرها، أو هو واجب آخر بنفسه ليس هو مبدع، ولكن هو محتاج إليها احتياج المحب إلى محبوبه.
وهم لم يثبتوا هذا الاحتياج إلا بمقدمات، إذا حقق الأمر عليهم فيها ظهر جهلهم وتناقضهم.
فغاية ما أثبتوه ليس فيه أن العالم إبداع الأول أصلاً، مع أنهم ينكرون على من جعله محدثاً للعالم، لكون الحادث يفتقر إلى سبب حادث، فهل يكون أعظم تناقضاً من مثل هذا القول؟!