ثم يقال: الأجسام المتحركة: إما أن تكون -أو شيء منها- واجب الوجود بذاته، وإما ألا تكون ولا شيء منها واجب الوجود بذاته.
فإن كان منها شيء واجب الوجود بذاته، بطل ما أثبتوه من أن الواجب بنفسه، وهو العلة الأولى، لا يمكن أن يتحرك، إذ كان على هذا التقدير قد قيل: إن شيئاً واجباً بنفسه هو متحرك.
وعلى هذا التقدير فلا يبقى لهم طريق إلى إثبات محرك لا يتحرك إذا أمكن أن يكون الواجب بنفسه متحركاً.
وإن لم يكن في الأجسام المتحركة ما هو واجب بنفسه، فقد ثبت أن الأفلاك المتحركة كلها ممكنة مفتقرة إلى واجب يكون فاعلاً مبدعاً لها، سواء قيل: إنها قديمة أو حادثة، فإن الممكن لا بد له من فاعل، سواء قيل بقدمه أو حدوثه، إذ كان لا يكون بنفسه.
ولو قيل: إنه لا فاعل له ولا مبدع، كان واجباً بنفسه، فالشيء إما أن يكون وجوده بنفسه، وإما أن يكون وجوده بغيره.
فالأول هو الممكن بنفسه، والثاني هو الواجب بنفسه.
وقد نازعهم من نازعهم في أن الممكن لا يجوز أن يقارن وجود الواجب، بل لا بد من تأخره عنه.
لكن ليس مقصودنا في هذا المقام منازعتهم في ذلك، بل نتكلم على تقدير ما يدعونه من أن الممكن يقارن وجوده وجود الواجب، مع كونه معلولاً موجباً له صادراً عنه، وهم يسمون الواجب علة ومبدعاً وفاعلاً، وقد يسمونه محدثاً، لكن هذه تسمية بعض من أظهر الإسلام منهم، لئلا