بالعناية بما هو ها هنا، ومسخرة لنا، والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة.
قلت: هذا يبين بأن حركات الأفلاك ليست من قبل أنفسها، بل من محرك منفصل عنها، حتى يكون ذلك المحرك لها هو الآمر المسخر.
وهذا يتبين بوجوه مبسوطة في غير هذا الموضع، مثل أن يبين المحرك من جهة الفاعل والسبب، ومن جهة المقصود والغاية، أي أنها لا بد أن تقصد بحركاتها شيئاً منفصلاً عنها، مثل ما يقول المسلمون وغيرهم من أهل الملل: إنها عابدة لله تعالى، ويقول المتفلسفة -كأرسطو وأتباعه-: إنها تقصد التشبه بالإله على قدر الطاقة.
وعلى القولين فتكون حركتها من جنس حركة المحب إلى محبوبه، والطالب إلى مطلوبه، وما كان له مراد منفصل عنه مستغن عنه -فهو محتاج إلى ما هو مستغن عنه، ومن احتاج إلى ما هو مستغن عنه لم يكن غنياً بنفسه، بل يكون مفتقراً إلى ما هو منفصل عنه، وهذا لا يكون واجب الوجود بنفسه، بل يكون ممكناً عبداً فقيراً محتاجاً، فتكون السموات مفتقرة ممكنة ليست بواجبة.
والوجه الثاني: أن كل فلك فإنه يحركه غيره من الأفلاك المنفصلة عنه، فتكون حركته من غيره، والفلك المحيط بها المحرك لها لا يحرك ولا يؤثر في غيره، إلا بمعاونة غيره من الأمور المنفصلة عنه، فليس هو وحده المحرك