تفيده، فهذا مما يعلم بنظر العقل الصريح، فمن كان ذكياً طالباً للحق، عرف الحق في ذلك.
ولنا مقصودان: أحدهما: أن ما به يعلم ثبوت الصانع وصدق رسوله، لا يتوقف على هذه الطرق المعتزلية الجهمية.
وهذه الطرق هي التي يقال: إنها عارضت الأدلة الشرعية، ويقال: إن القدح فيها قدح في أصل الشرع، فإذا تبين أنها ليست أصلاً للعلم بالشرع كما أنها ليست أصلاً لثبوته في نفسه بالاتفاق، بطل قول من يزعم أن القدح في هذه العقليات قدح في أصل الشرع، وهو المطلوب.
والمقصود الثاني أن هذه العقليات المعارضات للشرع باطلة في نفسها، وإن لم نقل إنها أصل للعلم به، وقد ذكرنا من قدح فضلاء أهل الكلام والفلسفة فيها بالأدلة العقلية ما يحصل هذا المقصود.
فمن كان له نظر ثاقب في هذه الأمور عرف حقيقة الأمر، ومن كان لا يفهم بعض الدقيق من كلامهم، كفاه أن يعلم أن هؤلاء النظار يقدح بعضهم في أدلة بعض، وأنهم لم يتفقوا على مقدمتين عقليتين، ولا مقدمات ولا مقدمة واحدة يمكن أن يستنتج منها دليل عقلي، يصلح لمعارضة أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن اتفقوا على مطلوب، كاتفاق طائفة من أهل الكلام وطائفة من أهل الفلسفة على نفي العلو مثلاً -فهؤلاء يثبتون ذلك وينفقون التجسيم بدليل الأعراض، والآخرون يطعنون في هذا الدليل ويثبتون فساده في العقل، وهؤلاء يثبتون ذلك بدليل نفي التركيب العقلي، وأولئك يثبتون فساد هؤلاء، فصار هذا بمنزلة من ادعى حقاً وأقام عليه بينتين، وعلى بينة تقدح في الأخرى، وتقول: