قلت: المعلوم بنفسه أنه لا يكون المفعول الواحد بعينه فعلاً لفاعلين على سبيل الاستقلال ولا التعاون، ولا يكون المعلول الواحد بالعين معلولاً لعلتين مستقلتين ولا متشاركتين، وهذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء بعد تصوره، فإنه إذا كان أحدهما مستقلاً به، لزم أن يحصل جميع المفعول المعلول به وحده، فلو قدر أن الآخر كذلك، للزم أن يكون كل منهما فعله كله وحده، وفعله له وحده ينفي أن يكون له شريك فيه، فضلاً عن آخر مستقل، فيلزم الجمع بين النقيضين: إثبات استقال أحدهما ونفي استقلاله، وإثبات تفرده به ونفي تفرده به، وهذا جمع بين النقيضين.
ومن المعلوم بنفسه أن عين المفعول، الذي يفعله فاعل، لا يشركه فيه غيره، كما لا يستقل به، فإنه لو شرك فيه غيره، لم يكن مفعوله، بل كان بعضه مفعوله، وكان مفعولاً له ولغيره، فيمتنع وقوع الاشتراك فيما هو مفعول لواحد.
ولهذا كان المعقول من الاشتراك هو التعاون، بأن يفعل كل منهما غير ما يفعله الآخر، كالمتعاونين على البناء: هذا ينقل اللبن، وهذا يضعه.
أو على حمل الخشبة: هذا يحمل جانباً، وهذا يحمل جانباً.
والمخلوقات جميعها يعاون بعضها بعضاً في الأفعال، فليس في المخلوقات ما يستقل بمفعول ينفرد به، بل لا بد له من مشارك معاون مستغن عنه، ثم مع احتياجه إلى المشارك، له من يعارضه ويعوقه عن الفعل، فلا بد له من مانع يمنع التعارض المعوق.