بالمحدث، فواجب أن يكون هناك بالموجودات علم آخر لا يكيف، وهو العلم القديم.
قال: وكيف يمكن أن يتصور أن المشائين من الحكماء يرون أن العلم القديم لا يحيط بالجزئيات، وهم يرون أنه سبب الإنذار في المنامات والوحي وغير ذلك من أنواع الإلهامات.
قال: فهذا ما ظهر لنا في وجه هذا الشك، وهو أمر لا مرية فيه ولا شك.
قلت: لقائل أن يقول: ليس فيما ذكره جواب، وذلك أن تفريقه بين العلم القديم والعلم المحدث، بأن ذلك سبب للوجود، وهذا سبب عنه -هو قول تقوله طائفة من الفلسفة، وقد عارضهم طائفة من المتكلمين، فزعموا أن ليس في العلم ما هو سبب لوجود الموجود، بل العلم يطابق المعلوم على ما هو عليه، فلا يكسبه صفة، ولا يكتسب عنه صفة.
وأولئك يقولون: علمه فعل، وهؤلاء يمنعون ذلك.
والتحقيق أن كلاً من العلمين: علم الخالق وعلم المخلوق، ينقسم إلى ما يكون له تأثير في وجود معلومه، وإلى ما لا يكون كذلك، فما لا يكون كذلك علم الله بنفسه سبحانه، فإن هذا العلم ليس سبباً لهذا الموجود، فلا يجوز إطلاق القول بأن ذلك العلم سبب للوجود مطلقاً.