وكذلك علمنا بمخلوقات الله التي لا أثر لنا فيها كالسماوات.
وأما الثاني فعلم الله بمخلوقاته، فإن خلق المخلوقات مشروط بالعلم بها.
كما قال:{ألا يعلم من خلق}[الملك: ١٤] ، فالعلم بها شرط في وجودها، لكن ليس هو وحده العلة في وجودها، بل لا بد من القدرة والمشيئة.
ومن هنا ضل هؤلاء المتفلسفة، فجعلوا مجرد العلم بنظام المخلوقات موجباً لوجوده، ولم يجعلوا للقدرة والمشيئة أثراً، مع أن تأثير القدرة والمشيئة في ذلك أظهر من تأثير العلم، مع أنهم متناقضون في ذلك، فإنهم قد يثبتون العناية والمشيئة تارة وينفوها تارة.
وعلم العبد بما يريد فعله من أفعاله، هو أيضاً شرط في وجود المعلوم، فهذا العلم بهذا المحدث شرط في حصوله، والمعلوم تابع للعلم المحدث هنا، فليس وجود كل معلوم لنا هو علة وسبباً لعلمنا مطلقاً، بل يفرق في ذلك بين العلم النظري والعلم العملي، فبطل هذا الفرق.
ثم يقال أيضاً: لا ريب أن الفاعل إذا أراد أن يفعل أمراً، فعلم ما يريد أن يفعل، لم يكن هذا هو العلم بأن سيكون، فإنه ليس كل من تصور ما يريد أن يفعل يعلم أن سيكون ما يريده، بل الواحد منا يتصور أشياء يريدها ولا يعلم أنها تكون، بل لا تكون، ثم إذا علم العالم أن الشيء سيكون ثم كان، علم أنه قد كان.
فهنا في حقنا ثلاثة علوم، وهو إنما ذكر في حق الله العلم المشروط في الفعل، وهو الذي لا يكون المريد مريداً حتى يحصل ذلك، فإن الإرادة مشروطة بتصور المراد.