أما العلم بأن سيكون المراد، فهذا لا يثبت بمجرد ما ذكره، فإن هذا علم خبري، وذاك علم طلبي، ثم إذا ثبت هذا العلم جاء الشك، وهو أنه هل يكون هذا العلم هو نفس العلم بوقوعه إذا وقع أم لا؟
والمتكلمون تكلموا في هذين العلمين، وأرادوا جعل أحدهما هو الآخر، فكانوا أقرب إلى الصواب ممن جعل العلم بما يريده هو العلم بأن سيكون المراد، وذلك هو العلم بأن قد كان.
فتبين أن طريقة المتكلمين أقل إشكالاً، وأقرب إلى الصواب.
وأيضاً فيقال له: العالم بما يريد أن يفعل إذا فعله علم أنه سيكون، ثم علم أن قد كان، لم يخرج بذلك عن أن يكون العلم القديم شرطاً في وجود المعلوم، وهو من تمام علة وجوده، إذا كانت نفسه مستلزمة لعلمه بالموجود بشرط فعله لها، كما في سمعه وبصره، لم يكن شيء من أحواله معلولاً لغيره.
فقوله: يلزم أن يكون العلم القديم معلولاً للوجود لا علة له -ليس بلازم.
وأما ما ذكره من نفي التغير، فهو قد طعن في دليل المتكلمين على نفيه، ولم يذكر هو دليلاً على نفيه، فبقي نفيه له بلا حجة أصلاً، إلا قوله: يلزم أن يكون العلم القديم معلولاً للوجود لا علةً له، وليس هذا بصحيح، فإنه بتقدير تجدد علم ثان، لا يخرج العلم الذي به كان الفاعل فاعلاً عن أن يكون علة.
وأيضاً فعلم الله لازم لذاته، وهو الذي فعل الموجودات.