وإن أراد أن تعقل الموجود في الخارج ليس مشروطاً بحصول الصورة العقلية، فقد اعترف هو بثبوت الصورة العقلية، وادعى أنها صورة المفعول.
ثم نقول: مقصودنا لا يتوقف إلا على إثبات علم قائم بالعالم، سواء سمي صورة عقلية أو لم يسم، فعقل الوجود في الخارج لا يكون إلا إذا قام بالعاقل عقل له، وذلك العقل ليس هو العقل الموجود في الخارج المباين للعاقل.
وإذا سمي ذلك العقل صورة عقلية، وقيل: إن التعقل ليس مشروطاً بها، كان معناه أن وجود العلم ليس مشروطاً بوجود العلم.
ومعلوم أن الشيء لا يثبت بدون لازمه، فكيف يثبت الشيء مع انتفائه؟ وهل هذا إلا جمع بين النقيضين: وجوده وعدمه؟
وحينئذ فكون العالم محلاً للعلم شرط في حصول العلم، فإن حصول العلم للعالم بدون اتصافه به وقيامه به ممتنع.
فلا يكون العقل، الذي هو العلم، حاصلاً للعاقل، إلا إذا كان العاقل، الذي هو العالم، محلاً لذلك العقل الذي هو العلم، كما أن المحب لا يكون محباً، إلا إذا كانت المحبة قائمة به، وكذلك في الإرادة والكلام وسائر الصفات.
وهذا أصل مطرد لأهل السنة: أن الصفة إذا قامت بمحل، عاد حكمها على ذلك المحل، ولم يتصف بتلك الصفة غير ذلك المحل.