ومما يبين ذلك أن ثبوت العلم ونفيه يتناقضان، فإن كان ثبوته عدماً، فنفيه ثبوت، فيلزم إذا قيل: لا يعلم أن نكون أثبتنا شيئاً.
ومعلوم أن هذا قلب للحقائق.
وأما قوله: والذي يدل على أن هذا القدر كاف، هو أن الإبصار إنما كان بمجرد إضافة ظهور الشيء للمبصر، مع عدم الحجاب.
فيقال: إن ادعيت أن الإبصار الذي هو ظهور المبصر للبصر إضافة هي عدم محض، كان القول في هذه المقدمة كالقول في الدعوى.
فإن الإنسان يحس من نفسه عند الرؤية أمراً وجودياً مخالفاً لحالة عدم الرؤية، كما يجد من نفسه ذلك في العلم.
فدعوى كون الرؤية أمراً عدمياً، مثل دعوى كون العلم أمراً عدمياً، ومضمون الأمرين أن الحس والعقل أمر عدمي، وأن مشاهدة المحسوسات والعلم بالمعقولات أمر عدمي.
ومعلوم أن من لم يشهد شيئاً ولم يعلمه، فقد عدم الرؤية والعلم، فإن كان بعد الرؤية والعلم لم يحصل له إلا عدم، فلا فرق بين أن يرى ويعلم، وبين أن لا يرى ولا يعلم.