قال: وأعجب ما في هذا القول استسهاله، أذ قال: إن الأمر فيه واضح سهل، ولو كان هذا القول حقاً على ما قيل، لبطلت علائق النفوس الناطقة بالأبدان، فإنها ينسب إليها بفي، ومع، وعند، ومقارنة، ومفارقة، وغيبة، وحضور، كما ينسب المدرك غلى مدركه.
ثم لو كان هذا حقاً، لما أدركنا بعقولنا معنى شيء مما ندركه بحواسنا البتة، فإن رأيه هو أن البصر يرفع صورة المبصر غلى الخيال، وهو جسماني، فالعقل إن أدركها في الخيال فقد أدركها جسمانية أيضاً، وإن إدركها قوة جسمانية في الخيال، نقلها إلى قوة أخرى، فأدركها العقل فيها -كان القول كذلك أيضاً، ولو كانت الوسائط ما كانت، إذ كان أو لما يلقاها إما أن يلقاها في قوة جسمانية، فيكون حكمها حكم الأولى، وإما أن يلقاها في قوة مجردة، فحكمها حكم العقل.
فإن قيل: إن العقل لا يدركها في القوة الجسمانية، بل يرفعها إليه، وينتزعها منه، أو يجردها، فكل تلك العبارات