قال: لو كان خالقاً لها لكان محيطاً بتفاصيلها، واللازم منتف.
لكن الأشعري وطائفة فرضوا الكلام في العاقل الذي يفعل مع الغفلة.
وطائفة أخرى قالوا: لا يحتاج إلى فرض في العاقل، بل كل فاعل من الآدميين لا يحيط علماً بتفاصيل أفعاله، لكنه يشعر بها من حيث الجملة.
ولهذا كان العبد لا يريد شيئاً إلا بعد شعوره به، فهو يتصور المراد تصوراً مجملاً، وإن لم يكن مفصلاً.
وهذا مما علم به الناس أن الفاعل المريد لا بد أن يتصور المراد.
وإن لم تكن إرادتهم مثل إرادة الرب، ولا علمهم كعلمه، كما أنهم يعلمون أن العبد فاعل لأفعاله وإن لم يكن خالقاً لها.
وهذا القول الوسط، وهو إثبات كون الرب خالقاً لكل شيء، ومع كون أفعال العباد مخلوقة له، ومع كونها أفعالاً للعباد أيضاً، وأن قدرة العباد لها تأثير فيه، كتأثير الأسباب في مسبباتها، وأن الله خالق كل شيء بما خلقه من الأسباب، وليس شيء من الأسباب مستقلاً بالفعل، بل هو محتاج إلى أسباب أخر تعاونه، وإلى دفع موانع تعارضه، ولا تستقل إلا مشيئة الله تعالى، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله كان وإن لم يشأ العباد، وما لم يشأ لم يكن ولو شاء العباد.
وهذا الذي عليه سلف الأمة وأئمتها وجمهورها.
وليس المقصود هنا الكلام في مسائل القدر، وإنما المقصود الكلام في تحقيق علم الله.
الطريق الثالث الذي به نعلم أن علمه بنفسه يوجب علمه بمخلوقاته، أن يقال: كل ما كان من صفات الرب وأفعاله، فليس هو