أمراً يحدث من عند الله تعالى، فإنه لو حدث منه أمر لزم تغيره عندهم، وبطل أصل قولهم.
وهم قد يخافون ما يحدث من الحوادث بسبب أعمالهم، لاقتضاء طبيعة الوجود ذلك، كما يقولون: إن أكل المضرات يورث المرض أو الموت، والسبب لكل الحوادث حركة الفلك، وإن كانت الحوادث لا تحدث بمجرد الحركة، بل بالحركة وغيرها: أما لكون الحركة توجب امتزاجاً تستعد به الممتزجات لما يفيض عليها من العقل الفعال، أو لغير ذلك، فهم مطالبون بالموجب لحركة الفلك وحدوث جميع الحوادث: إن كان الموجب لها علة تامة في الأزل لا يتأخر عنها شيء من معلولها، امتنع أن تكون حركات الممكنات وما فيها من الحوادث صادرة عن هذه العلة، لأن ذلك يقتضي تأخر كثير من معلولاتها، مع ما فيها من الاختلاف العظيم المنافي لبساطتها التي يسمونها الوحدة.
وقد بين في غير هذا الموضع أن الواحد البسيط الذي يقدرونه لا حقيقة له في الخارج أصلاً.
وإذا قيل:(القوابل المفعولة الممكنة المبدعة اختلفت وتأخر استعدادها، مع كون الفاعل لها لم يزل ولا يزال على حال واحدة) كان امتناع هذا ظاهراً.
بخلاف ما إذا قيل:(أن نفس الفاعل موصوف بصفات متنوعة وأفعال متنوعة، وله تعالى شؤون وأحوال، كل يوم هو في شأن، فإنه يكون تنوع المفعولات وحدوث الحادثات لتنوع أحوال الفاعل، وأنه يحدث من أمره ما شاء) .