وإن كان المتفلسف قد يقوله، فلا حاجة بنا إليه، بل لا يجوز أن يقال ذلك، كما لا يجوز أن يقال: علمه بالدليل سبب لعلمه بالمدلول على، فإن علمه سبحانه ليس باستدلالي، بحيث يستفيد العلم بهذا من العلم بهذا، سواء كان الدليل علة، أو لم يكن.
بل هذا مما يطعن به في كلام بعض هؤلاء المتفلسفة، الذين جعلوا علمه من هذا الباب، فإن علمه سبحانه من لوازم نفسه، ونفسه المقدسة مستوجبة للعلم بكل شيء.
كما دل عليه قوله تعالى:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}[الملك: ١٤] ، فإنه في نفسه لطيف خبير، يمتنع أن يخفى عليه شيء.
لكن المقصود هنا أن علمه بنفسه مستلزم لعلمه بخلقه، فيمتنع أن يكون عالماً بنفسه علماً تاماً بدون علمه بخلقه.
وحينئذ فنحن نستدل بعلمه بنفسه على أنه عالم بخلقه، كما نستدل بكل ملزوم على لازمه، وإن كان هو سبحانه لا يحتاج إلى شيء من الاستدلالات.
ولهذا كان من القضايا الصادقة قول القائل: العلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب، أي العلم بالسبب التام، وهو العلة التامة، فإذا علمنا أن الخشبة وقع فيها نار لا تطفأ، علمنا أنها تحترق.
وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه، وهو بمشيئته وقدرته موجب لكل موجود.
فعلمه بنفسه يستلزم علمه بمخلوقاته، أعظم من استلزام