وأما قول الرازي على التقدير الثاني: إن قلتم: إن علمه بذاته، من حيث إنها علة لذلك المعلول، يقتضي علمه بذلك المعلول، لأن علمه بأن ذاته علة للشيء الفلاني، علم بإضافة مخصوصة بين ذاته وبين ذلك الشيء، والعلم بالإضافة مسبوق بالعلم بالمضافين، فلو كان المعلول مستفاداً من العلم بتلك الإضافة، لزم الدور.
فيقال له: العلم بالإضافة مشروط بالعلم بالمضافين، ولا يجب أن يكون العلم بالمضافين متقدماً عليه تقدماً زمانياً، بل لا يكون عالماً بالإضافة، إلا مع تصور المضاف والمضاف إليه.
ثم إذا كان المضاف هو العلة للمضاف إليه، أمكن أن يكون العلم بها، من جهة إنها علة لذلك المعلول، مستلزماً للعلم بذلك المعلول.
والعلم بأنها علة للمعلول يتضمن ثلاثة أشياء: العلم بها، وهي المضاف الذي هو علة، والعلم بالمعلول، وهو المضاف الذي هو معلول.
والعلم بالعلية، وهي الإضافة.
والثلاثة متلازمة، لا يجب أن يتقدم بعضها على بعض بالزمان، ولا نقول: إن العلم ببعضها يستفاد من العلم ببعض، كما ذكره.
فإن الرب لا يحتاج أن يستدل بشيء من معلوماته على بعض، وإنما يحتاج إلى ذلك من لا يكون عالماً بالمدلول، حتى يدله عليه الدلي.