وإن كان قد يكون فيما يقوله الواحد من هؤلاء باطل، وقد يكون قصر في بيان الحق، وقد يجتمع الأمران.
فنحن نستدل بعلمه بذاته، على أنه لا بد أن يعلم مخلوقاته، لما بينهما من التلازم، الدال على أن ثبوت أحدهما يستلزم ثبوت الآخر، لا نحتاج أن نجعل علمه بهذا هو الموجب لهذا.
فإن قيل: فبتقدير أن لا يكون موجباً، فليس معكم ما يدل على أن علمه بذاته يستلزم علمه بمخلوقاته، كما أنا إذا قدرنا أن علم أحدنا بالملزوم ليس موجباً لعلمه باللازم، لم يكن معنا ما يدل على أنه عالم باللازم.
قيل: بل كون أحد العلمين مستلزماً للآخر ثابت، وإن لم يكن أحدهما موجباً للآخر، فإن الملزوم أعم من أن يكون علة أو غير علة.
وإذا قدر أنه ليس علة، لم يمتنع أن يكون ملزوماً.
وإذا كان في بعض الناس ملزوماً وعلة، لم يجب أن يكون في كل عالم ملزوماً وعلة، إلا إذا لم يكن للعالم طريق إلى العلم باللازم، سوى عمله بعلته.
وهذا باطل في حق الله، ولا يمكن دعواه، فلا يمكن أحداً أن يدعي أن الله لا يمكن أن يعلم شيئاً من الموجودات إلا لعلمه بعلته، إذ لا دليل على هذا النفي.
وإذا قدر أن ذاته مستلزمة لنفسها أن تعلم كل شيء لا يخفى عليها شيء، أوجب ذلك أن لعلم كل شيء.