هذا هو المفهوم من إرادة الإنسان، والباري سبحانه منزه عن أن يكون فيه صفة معلولة، فلا يفهم من معنى الإرادة إلا صدور الفعل مقترناً بالعلم، وأن العلم، كما قلناه، يتعلق بالضدين، ففي العلم الأول، بوجه ما، علم بالضدين، ففعله أحد الضدين دليل على أن هنا صفة أخرى، وهي التي تسمى إرادة.
قلت: ابن رشد يتعصب للفلاسفة، فحكايته عنهم أنهم يقولون: إنه مريد، كحكايته عنهم إنهم يقولون: إنه عالم بالمخلوقات.
ولا ريب أن كلاهما قول طائفة منهم.
وأما نقل ذلك عن جملتهم، أو المشائين جملة، فغلط ظاهر.
ولكن الذي انتصر لثبوت هذا وهذا انتصاراً ظاهراً أبو البركات ونحوه، وابن رشد وهو إثبات ذلك دونه، وابن سينا دونهما.
ولا ريب أن كلام أرسطو في الإلهيات كلام قليل، وفيه خطأ كثير، بخلاف كلامه في الطبيعيات فإنه كثير، وصوابه فيه كثير.
وهؤلاء المتأخرون وسعوا القول في الإلهيات، وكان صوابهم فيها أكثر من صواب أوليهم لما اتصل إليهم من كلام أهل الملل وأتباع الرسل، وعقول هؤلاء وأنظارهم في الإلهيات، فإن بين كلام هؤلاء في الإلهيات وكلام أرسطو وأمثاله تفاوتاً كثيراً.