للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكروا أن الفعل الذي ليس بإرادي مستلزم لنفي العلم، فإذا انتفت الإرادة في الفعل، لزم نفي العلم، فإذا انتفى هذا اللازم، وهو نفي العلم، انتفى ملزومه وهو انتفاء الإرادة، فحصلت الإرادة، فصار يلزم من ثبوت العلم في الفعل ثبوت الإرادة، ومن نفيه نفيها، ومن ثبوتها ثبوته، ومن انتفائها انتفاؤه.

وهذا بين، إذ كان كل فعل بالإرادة فمعه العلم.

ولك فعل ليس بإرادة فلا علم معه، فينعكس كل منهما عكس النقيض.

فيقال: كل ما ليس معه علم فليس معه إرادة، وكل ما معه علم فمعه إرادة، فهذا يفيد أنه يلزم في الفعل من ثبوت كل واحد من العلم والإرادة ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه، وهذا حق، وهو يدل على فساد قول من أثبت العلم ونفى الإرادة، وهم بعض الفلاسفة وبعض المعتزلة.

ولكن ليس في هذا ما يدل على فساد الطريق التي سلكها ابن سينا في إثبات العلم، فإنه إذا استدل على كونه عالماً بمخلوقاته: بأن الفاعل يجب أن يكون عالماً بفعله، وبأن العلم بالعلة التامة يستلزم العلم بمعلولها- كان دليلاً صحيحاً، كما تقدم تقريره، وإن لم يذكر في الدليل كونه فاعلاً بالإرادة، فإن هذا شرط في كونه فاعلاً، كما أن كونه حياً شرط في كونه فاعلاً، وكما أن كونه عالماً شرط في كونه مريداً.

والدليل قد يدل على ثبوت المشروط قبل أن يعلم شرطه، ثم بعد ذلك قد يعلم بشرطه وقد لا يعلم، كما يدل الدليل على كونه فاعلاً بالاختيار، وشرط الفاعل بالاختيار أن يكون عالماً.

ثم إذا علم أنه فاعل

<<  <  ج: ص:  >  >>